عمر كدرس


" كل يعترف بأستاذيته، ومع هذا فإن ما كسبه من الفن ظل أقل بكثير مما تحقق لتلاميذه"

الملحن الراحل عمر كدرس ساعد في تطوير وتأسيس الأغنية السعودية خصوصا التراث الحجازي، وخدمة صوت محمد عبده بشكل احتكاري موجهًا وراعيًا فهو دائما ما يلحن لصوت عبده، بدءا من الأسطوانات وهو في الثالثة عشرة والخامسة عشرة في مرحلة «قالوها في الحارة الدنيا غدارة» لأحمد صادق والكدرس ثم تلتها الكثير من الأغنيات، خفت على صوت محمد - هكذا يقول بابا طاهر مخشري الذي يضيف-: خفت أن يتعود على ألحان الكدرس ثم لا يمكنه غناء غير ألحانه

وكان عضده ودعمه في مواجهة ظاهرة طلال مداح الفنية التي صبغت ذائقة المتلقي بصبغتها، فالكدرس بموسوعية ثقافته الموسيقية، واختزاله الواعي لألوان متعددة من التراث أسهم في تكوين جزء مهم من ثقافة محمد عبده الفنية، خاصة ما يتصل منها بالتراث الغنائي

حينما زارت سيدة الغناء العربي أم كلثوم السعودية ذات يوم كان أكثر ما لفت نظرها من الفنانين ذلك الفنان السعودي الأسمر عمر كدرس، حتى أنها راحت تطلب منه أن يعزف لها بعض المقطوعات وهي تتابع تحركات أنامله على أوتار العود بقدر كبير من الدهشة والإعجاب، ولم تكتف بذلك بل قدمت له نص «أقبل الليل» لكي يقوم بتلحينه لها بعد أن تباطأ رياض السنباطي في إنجازه إثر جفوة عارضة بينه وبين أم كلثوم، لكن ما ان وصل إلى السنباطي خبر تسليم النص إلى ملحن سعودي موهوب حتى سارع في إنهاء اللحن ليكون في انتظار أم كلثوم فور عودتها إلى القاهرة. ولا غرابة أن تعجب السيدة أم كلثوم بفنان كبير مثل عمر كدرس، فهو «سيد العود»، وسيد الروائع اللحنية: «ليلة خميس»، «وهم»، «يا سارية»، «ماشي بيتهادى»، «في الطريق»، «أحلى من العقد»، وغيرها من الألحان التي تسكن ذاكرة المجتمع السعودي

وله صوت شجي يأسر القلوب ، وأكبر دليل على عذوبة صوت الكدرس ما يرويه الفنان الكبير الراحل طلال مداح الذي اشترك مع الكدرس في إحياء إحدى الحفلات الغنائية، وخشي طلال أن يهيمن الكدرس على الجمهور، فاقترح عليه أن يقدم تقاسيم على العود ويتبعها ببعض قصائد عبد الوهاب الغنائية، ولم يتردد الكدرس عاشق الروائع من الاستجابة لذلك، وخانه أن يدرك في تلك اللحظة وهو الخبير بأن لتلك الروائع أجواءها الخاصة وجمهورها المختلف، ليأتي بعده طلال مداح برائعة الكدرس «يا سارية خبريني» ثم يعقبها بـ«وردك يا زارع الورد» فاستولى على الجمهور وهيمن عليه، وأدرك الكدرس بعد فوات الأوان أن نصيحة طلال مداح له في تلك الليلة مقلب ظريف من مقالب طلال مداح الكثيرة معه

ويعترف الكدرس أنه أسهم جزئيا في صياغة عدد من الألحان التي لم تنسب إليه، مبررا ذلك بشيوع ظاهرة اللحن المشترك الذي يسهم فيه أكثر من ملحن، والنص الغنائي الذي يشترك في كتابته أكثر من شاعر، وهو ثمرة الجلسات الفنية المشتركة التي كانت سائدة في جدة، والتي كانت تضم مطربين وملحنين وشعراء، ولم تكن بين الفنانين من الحساسيات ما يجعلهم يقيمون الدنيا صراخا واحتجاجا إذا ما أسهموا جزئيا في لحن نسب بعد ذلك إلى أحدهم، ، وبنفس الروح كان الشعراء يتعاملون مع النصوص الغنائية



المصادر 
:مقال
محمد دياب - عمر كدرس.. معاون سائق الشاحنة الذي أعجبت به أم كلثوم
:كتاب
الأغاني قصص وحكاوي - علي فقندش